عندما تتركها لن تجدني...
عزيزي (س)..
أرسلت لك من قبل خطابا يسخر من قصتنا معا بعنوان (حكاية خياليه حصلتلك قبل الجواز) كانت
تلك القصه في الماضي...و اليوم سأرسل لك ما سيحدث في المستقبل ...
بعد ثلاث أعوام من هذا التاريخ سوف تعود لي خائب المسعى راجيا التسامح ...كغيرك من أصحاب
العقول الضعيفه و البصيره العاجزه...
في هذا اليوم سأكون قد محوت ذكراك من عقلي الواعي و
الباطن، و لن تجد تلك الانثى الثلاثينيه التي كنت تسخر منها و من دخان سجائرها....
في هذا اليوم الذي ستتركك فيه زوجتك و تضعك في خانة
الماضي...ستحاول عابثا أن تحيي ماضيك الأبعد و لكنك لن تجدني ...فسوف أسافر في أزمان
مستقبليه و أسبق ايامي و ستننظر أنت عودتي في فراغ أزمنتك تملؤها بأفكار ماضيك...
لن أستفيض في تفاصيل حتى أتركك في حيرة تنظر لدقات
الساعة
الإمضاء:
أنثى
تعرفها جيدا
كانت هذه الرساله التي بعثتها (أ) الكترونيا ل (س) و لا
حاجه لمزيد من التفصيل فقد أفرغت فيها كل غضبها و ماضيها، و استعدت بعدها بكل
حقائبها و ما يلزمها للذهاب سرا لذلك العالم الذي وعدها بإرسالها لذاتها
المستقبليه....
فكرة السفر عبر الزمن كانت حلمها الذي سيتحقق اليوم
...في البدء أعتقدت أن اختيارها سيقع على الماضي لتصلح اخطاء العشر أعوام الأخيره
و تحديدا في علاقتها مع(س)...لكن لغرابة الأمر اختارت الذهاب للمستقبل...
أردت معطفها الأحمر المفضل و أستعدت للرحيل....
و بعد 47 دقيقه كانت أمام الباب المنشود...
أنفتح الباب عن وجه عالم في منتصف العمر لا شيء مميز فيه
سوى علامه سمراء في منتصف جبهته...رحب بها و دعاها لمكان مليء بالأشخاص-أغلبهم من
النساء- ينتظرون بفارغ الصبر في بهو كبير مليء بالاسلاك و الآلات ..
بدء العالم في شرح بعض النظريات للحضور ، من سرعة الضوء
و كيف يمر الوقت في الفضاء وووهمية الزمن..و ذلك الحضور صامتا مصغيا ببلاهه و عدم
فهم لأغلب ما يقوله العالم...
عندما فرغ العالم من كلامه بدء في توصيل تلك الاسلاك في
جبهات الحاضرين و اعطائهم التعليمات:
لن تستطيع ذواتكم التواجد مرتين في زمن واحد و لذلك فإن
رؤية المستقبل ليست سفرا,,,بل هي رؤية كالحلم أو كمشهد سينمائي سترون فيه أنفسكم و
الأخرون في الأعوام العشرة القادمه...و إن تعثرت عليكم رؤية أنفسكم فلن يعني ذلك
سوى أن الموت قد إختار أحدكم قبل ذلك الزمن...
و نظرا لأن هذه الرؤية تلغي الوقت فقد يشعر البعض منكم
بمرور سنوات في حين أن ما رأى لم يتعد الدقائق المعدوده...
هل أنتم مستعدون؟
أنهمرت الأسئله عن العالم في حين لم يرد بخاطرها سوى
سؤال واحد
(هل سيعود ذليلا كما هددته فب خطابها؟) أحتفظت بذلك
السؤال لنفسها...
أغمضت عيناها لترى المستقبل ....مر زمن غير معلوم مصحوب
بظلام ...ثم ظهر ضوء في منتصف الظلام بدت عنه الصوره الآتيه:
وجدت أنها تجلس في ذات المقعد الذي اعتادت القراءه فيه و
قد تغيرت بعض معالم ذلك المكان العام....كانت اظافرها الطويلة تدق خشب الطاولة في
حين تنظر خارج النافذه تشاهد نيرانا تلتهم مبنى لا يكترث بها أحد...
و خلفها رجل يصفع إمرأة و لا يكترث به أحد...
و بجوارها مشاهد لأشخاص بذقون أطول من وجووهم يحملون
فئوس و يحطمون الهرم الأكبر بدون أي تعليق إخباري...
و جدت أنها ترتدي ذات المعطف الأحمر و قد كلح لونه و
تآكلت أطراف أكمامه و هي لا تكترث حتى بخلعه...
وجدت شقوق في خشب الطاوله ووجدت أن أظافرها غير
متساوية كما حرصت دوما...
بل ووجدت قهوتها كالماء الغامق خفيفه على غير ما تعودت
....
و فجأة سمعت أشخاص يصرخون بعابرات مبهمه...ثم ما لبثت
تلك الأخيره أن وضحت معالمها حتى تبينت الكلمات الاتيه:
(هناك من يرى الاعتزال في جبل المقطم)
و كان الرد (هضبه يا حمار)....
حاولت أن تتبع مصدر الأصوات الذكوريه و لكنها لم تستطع
فقد باغتها صوت باب فتح بعنف شديد حتى أنكسر زجاجه ، و لم يكترث أحد....
دخل بعض الأشخاص المسلحون يحاولون سرقة أي من
الجالسين..غير أن هؤلاء الجالسون نظروا إليهم ببلاهه شديده و واصلوا احتساء
مشروباتهم الفقيره...
و فجأة بدء أحد هؤلاء المسلحون في البكاء...
(أبنائي جائعون و عطشى و لاأملك حتى شربة ماء لهم)
رد الصوت السابق الذي أضحى مألوفا:
(المجاري طفحت في الشارع الورانا الحقلك جردلين بدل ماأنت جي تشحت من شحاتين يا حمار!)
(المجاري طفحت في الشارع الورانا الحقلك جردلين بدل ماأنت جي تشحت من شحاتين يا حمار!)
لا تصدق ما
تراه....هل هذا هو المستقبل الذي حاولت التفاؤل به؟
هل هذه هي بلدتها و هؤلاء هم الأناس الذين دوما حاولوا
البقاء برغم الظروف الأقتصاديه؟
لماذا لم تهاجر أو تحاول الهروب من ذلك الجحيم؟
و فجأة بدر لذهنها أنها لم تنظر لوجهها
المستقبلي...لدهشتها لم تجده قد تغير كثيرا فقط بعض الشحوب و هالات سوداء تحيط
بعيناها....و لكن أين ..........؟
كان المسلح الباكي مازال ينتظر...خلع قناع وجهه الأسود و
نظر إليها...
لدهشتها وجدت أنه هو (س)...وجعه تعلوه ملامح الفقر و الاكتئاب...
نظر إليها طويلا و مع ذلك لم تكترس به و كأنها لا
تعرفه...حاول الاقتراب منها و التحدث معها
فأدعت عدم الإنصات...تركت مقعدها و ذهبت
لدفع حسابها... و لدهشتها وجدت أنها قامت بإعطاء النادل سيجارتين!!
تتبعت بعيناها ذاتها المستقبليه....وجدت منزلها القديم
في حالة مزريه ..وجدت أنها تهبط درجات السلم بدلا من صعوده...وجدت أنها تفتح باب
حديدي كبير...وجدت أنها تدخل مكان يشبه المخبأ...وجدت أنها تشعل المكان بشمعة
صغيرة...وجدت أنها لا تملك من ماضيها سوى مكتبتها الصغيره (التي تغيرت ملامحها
للاسوأ) و بعض أعقاب السجائر و معلبات طعام مجهولة النوع تبدو رديئة الإنتاج...
و فجأة أفاقت (أ) من رؤياها المستقبليه في حالة ذهول
...و لذهولها الأكبر وجدت ذات نظرة الذهول على رفقائها في التجربه....بحثت عن
العالم لتراه جالسا مترقبا أمامهم تعلو وجهه نصف إبتسامه ساخره.....لم تتفوه سوى
بسؤال واحد:
(هل ما رأيته حقيقي؟)
ثم أدركت أن السؤال لا يتردد بصوتها فقط بل و بأصوات
مختلفه تنبعث عن الآخرين رفقاؤها في التجربه...
أبتسم العالم و أعطى كل منهم أوراق و طلب منهم سرد
رحلتهم المستقبليه في أي صورة يبغونها....
بدأت في الكتابه ووجدت أنها لا تستطيع التوقف للحظه و
كأنها روائيه عظيمه...هل يسخر منها حلمها بالـتأليف و يتحقق الآن؟
عندما فرغت من تدوين رؤياها المستقبليه أعطتها للعالم
الذي لا يكترث بالأسئله المحيطه به و نظرات الفزع التي تعلو وجوه فئران تجاربه...
بدأ العالم في الحديث...
(أود أن أوضح لكم أن رؤياكم المستقبليه اليوم هي رؤياكم
لأنفسكم في المستقبل..هي توقعاتكم و يقينكم...هي سيطرة العقل الباطن على أحلام كل
منكم..
هذه أسلاك وهميه...ما هي إلا...رأيتموه هو تصور العقل الباطن
لكل منكم..)
سأل أحد الحاضرين ذاهلا( ازاي
كلنا نحلم بحاجه واحده؟)
رد العالم (لم تكن أحلامكم
واحده بل كانت فقط في نطاق متشابه
فقط...كلها تدور حول المستقبل..ما حدث لكم كان أشبه بالعلاج الوهمي ، مثلما يعطي
الطبيب دواء لا يعالج لمريض يائس و يقنعه أنه هو الدواء الشافي فيشفى ذلك المريض...عندما
رضيتم بالتجربه كنتم على قناعه تامه بأنكم ترون مستقبلكم...فقام العقل الباطن لكل
منكم بإخراج توقعه عن المستقبل في صورة
حلم..غير أن العقل الباطن لا يخرج الأحلام سوى من خبراته و يقينه...ما رأيتموه هو
قناعة كل منكم...)
قاطعته هي...(لقد رأيت بلادنا
خرابا ..)
كان جوابه( و هل تعتقد أفكارك
الباطنه بغير ذلك؟)
بادرته بالرد( أحاول ألا أكون
متشائمه..)
قال( هذا ما يحتاجه عقلك
الباطن...أيها الساده لن أعتذر عن خداعي لكم فقد أعمتكم رغباتكم و لم تنظروا
للافته في الخارج....ما أنا إلا طيبب نفسي و عصبي مؤمنا بفرويد و ...)
قام أحد فئران التجارب الآدميه
من مجلسه غاصبا يحاول البطش به متفوها
بأفظع الألفاظ..غير أن أياد أخرى منعته و خرج الجميع غاضبا بعضهم مهددا من ذات
الباب الذي دخلوه آملين و مترقبين.......
خرجت هي تجر أذيال الخيبه غير
مصدقة أنها كانت بالبلاهه التي جعلتها ضحيه لأفكار و خداع شخص مجنون و بينما تحاول
أن توقف سيارة أجره رن هاتفها المحمول ...
لا تحب أن تجيب مكالمات من
أرقام مجهوله....و مع ذلك تملكها الفضول و قطعت الطنين بالرد، كانت المفاجأه أنه (
س) ...يخبرها أنه تلقى خطابها و أنه قد أضحى بائسا بعد وفاة والدته ..فقد مر بحالة
اكتئاب شديد أثرت على قدرته على مواصلة عمله..و أنه قد أضطر للسفر للعيش بمنزل والده
القديم بمحافظه أخرى، و أن زوجته قد تركته و حرمته من رؤية طفله الوحيد..و أن ضائقته
الماليه كانت السبب في ....
لم تتفوه بكلمة، أغلقت الخط وواصلت
السير واضعه يداها في جيوب معطفها الأحمر المفضل..

Comments
Post a Comment